في إحدى القضايا التي صدر فيها حكم نهائي، تبيّن لأحد الأطراف لاحقًا أن الحكم لم يُبنَ على الصورة الكاملة للوقائع، بعد أن عثر على مستندات جوهرية لم تُعرض أثناء نظر الدعوى.
في مثل هذه الحالات، يُعد التماس إعادة النظر أمام محكمة النقض في السعودية وسيلة استثنائية تتيح للمتقاضين تصحيح ما شاب الأحكام من أخطاء جوهرية أو ما قد يثبت من غش أو تزوير. فكيف تُقدَّم هذه الدعوى، وما هي إجراءاتها؟ هذا ما سنوضحه فيما يلي.
ما المقصود بالتماس إعادة النظر أمام محكمة النقض؟
يُعد التماس إعادة النظر طريقًا استثنائيًا للطعن في الأحكام النهائية، يمنح أحد الخصوم فرصة لإعادة عرض الدعوى على القضاء إذا ظهرت معطيات جديدة لم تكن مطروحة أثناء المحاكمة، مثل وقوع غش أو تزوير، أو اكتشاف مستندات حاسمة كان لها تأثير جوهري على الحكم.
وقد حدد نظام المرافعات الشرعية في مادته (200) الحالات التي يجوز فيها التماس إعادة النظر في الأحكام النهائية، بوصفها حالات محددة واستثنائية لا تُفتح إلا بشروط دقيقة.
وهنا يثور التساؤل: هل يختلف التماس إعادة النظر عن الطعن بالنقض؟
الجواب نعم، فـ الطعن بالنقض يُوجَّه إلى مخالفة الحكم لأحكام الشريعة أو النظام، أو لوجود خطأ في تطبيق القواعد النظامية، بينما التمـاس إعادة النظر يتعلق فقط بظهور أسباب استثنائية مثل الغش أو التزوير أو وجود مستند جديد لم يكن متاحًا وقت الحكم.
متى يُستخدم طريق التماس إعادة النظر أمام محكمة النقض؟
يُستخدم هذا الطريق القضائي في حالات محددة نص عليها النظام، من أبرزها:
-
اكتشاف أوراق جوهرية بعد صدور الحكم.
-
ثبوت أن الحكم صدر استنادًا إلى شهادة زور.
-
وجود تناقض جوهري في منطوق الحكم ذاته.
-
صدور الحكم ضد من لم يكن ممثلًا تمثيلًا صحيحًا في الدعوى.
الأساس النظامي لالتماس إعادة النظر أمام محكمة النقض
يستند التماس إعادة النظر إلى نصوص صريحة في النظام القضائي السعودي، التي جعلته وسيلة استثنائية تهدف إلى تحقيق العدالة ومنع بقاء حكم نهائي شابه خطأ جسيم أو بني على غش أو تزوير.
وقد خصص نظام المرافعات الشرعية بابًا مستقلًا لتنظيم أحكام الالتماس، موضحًا فيه الأسس النظامية والضوابط الإجرائية، تأكيدًا على أن هذا الطريق لا يُعد بديلًا عن طرق الطعن العادية، بل وسيلة احتياطية تُستخدم فقط عند توافر الأسباب التي نص عليها النظام.
المواد النظامية التي تنظم التماس إعادة النظر
تضمن نظام المرافعات الشرعية السعودي مجموعة من المواد التي تنظم التماس إعادة النظر وتحدد ضوابطه وشروطه على النحو الآتي:
المادة (200): حصرت الحالات التي يجوز فيها تقديم الالتماس، مثل حالات التزوير، أو ظهور مستندات قاطعة جديدة، أو الغش، أو التناقض في الحكم، أو صدور الحكم على من لم يُمثل تمثيلًا صحيحًا.
المادة (201): حددت المدة النظامية لتقديم الالتماس بثلاثين يومًا من تاريخ العلم بالسبب الموجب لتقديمه.
المادة (202): أوضحت كيفية رفع الالتماس من خلال صحيفة تودع لدى المحكمة التي أصدرت الحكم، على أن تُحال إلى المحكمة التي أيدت الحكم إذا كان مؤيدًا من محكمة الاستئناف أو المحكمة العليا.
المادة (203): نصت على أن الحكم الصادر بعد قبول الالتماس يخضع بدوره لطرق الاعتراض النظامية، سواء بالنقض أو بالاستئناف وفقًا للحالة.
المادة (204): منعت تقديم التماس جديد بناءً على ذات الأسباب السابقة، وأجازت التماسًا آخر فقط عند ظهور أسباب جديدة لم تُسبق دراستها.
ومن خلال هذه المواد، وضع النظام إطارًا دقيقًا يحقق التوازن بين حجية الأحكام النهائية واستقرارها من جهة، وحق الخصوم في تدارك الأخطاء الجسيمة أو الوقائع الجديدة من جهة أخرى.
الشروط النظامية لقبول التماس إعادة النظر
لا يُقبل التماس إعادة النظر لمجرد رغبة أحد الخصوم في الاعتراض على الحكم، بل يشترط النظام توافر مجموعة من الضوابط الدقيقة لضمان عدم إساءة استخدام هذا الطريق القضائي الاستثنائي.فما هي الشروط الأساسية لقبول الالتماس؟
أن يكون الحكم نهائيًا: فلا يجوز الالتماس ضد حكم ابتدائي لم يكتسب القطعية.
توافر سبب نظامي محدد: كوجود تزوير، أو غش، أو ظهور مستندات جديدة حاسمة، أو تناقض في منطوق الحكم، أو صدور الحكم على غير ممثل تمثيلًا صحيحًا.
تقديم الالتماس خلال المدة المقررة: وهي ثلاثون يومًا من تاريخ العلم بالسبب الذي يبرر الالتماس.
توافر مصلحة مباشرة للملتمس: فلا يُقبل الالتماس ممن لا صفة له أو لم يتضرر من الحكم.
الالتزام بالمتطلبات الشكلية: عبر تقديم صحيفة التماس نظامية أمام المحكمة المختصة، متضمنة كافة البيانات والمرفقات المطلوبة.
تُعد هذه الشروط ضمانة أساسية لتحقيق التوازن بين استقرار الأحكام القضائية وحق الأطراف في تصحيح ما قد يعتري الأحكام النهائية من أخطاء جوهرية أو أسباب استثنائية.
المدة النظامية والإجراءات الشكلية لتقديم الالتماس
حدد نظام المرافعات الشرعية مهلًا زمنية وإجراءات دقيقة لضمان سرعة الفصل في الالتماسات ومنع إطالة أمد النزاع، حيث لا يُقبل الالتماس بعد تجاوز المدة المحددة أو مخالفة الإجراءات الشكلية المنصوص عليها.
ميعاد الالتماس: ثلاثون يومًا تبدأ من تاريخ العلم بالسبب الموجب لتقديم الالتماس، سواء كان تزويرًا، أو غشًا، أو ظهور مستندات جديدة.
آجال الالتماس: تختلف باختلاف الحالة؛ ففي حالات التناقض أو الحكم على غير ممثل صحيح، يبدأ الميعاد من تاريخ تبليغ الحكم، بينما في حالات التزوير أو الغش يبدأ من تاريخ اكتشاف السبب.
الإجراءات النظامية: يُرفع الالتماس بصحيفة تودع لدى المحكمة التي أصدرت الحكم، ويتم قيدها رسميًا في سجل المحكمة.
الخطوات القانونية: تشمل إدخال بيانات الحكم محل الالتماس، وتوضيح أسباب الطلب، وإرفاق الأدلة والمستندات المؤيدة، ثم تُحال المعاملة إلى المحكمة المختصة للنظر والفصل.
وبذلك، فإن الالتزام بالمدة النظامية والإجراءات الشكلية يعد شرطًا جوهريًا لقبول الالتماس شكلًا، وضمان النظر فيه وفق أحكام النظام القضائي السعودي
إجراءات رفع التماس إعادة النظر أمام محكمة النقض
يمر تقديم التمـاس إعادة النظر بعدة مراحل نظامية تهدف إلى توثيق الطلب وضمان مراجعته من الجهة القضائية المختصة، وقد وفرت وزارة العدل خدمة إلكترونية عبر منصة ناجز لتسهيل عملية التقديم والمتابعة بطريقة رقمية آمنة وموثوقة.
خطوات تقديم التماس إعادة النظر عبر منصة ناجز
تتم إجراءات تقديم الالتماس إلكترونيًا وفق الخطوات التالية:
-
تسجيل الدخول إلى منصة ناجز باستخدام بيانات النفاذ الوطني الموحد.
-
اختيار الخدمات الإلكترونية ثم الدخول إلى باقة القضاء.
-
تحديد خدمة التماس إعادة النظر من بين الخيارات المتاحة.
-
الضغط على تقديم طلب جديد.
-
اختيار القضية والحكم محل الالتماس.
-
تعبئة صحيفة الالتماس بكافة البيانات النظامية والأسباب والمستندات المؤيدة.
-
سداد الرسوم المقررة إلكترونيًا.
-
استلام إشعار برقم الطلب لمتابعته من خلال المنصة.
هذه الخطوات جعلت تقديم التماس إعادة النظر أمام محكمة النقض أكثر سهولة وشفافية، حيث يمكن للمتقاضي متابعة طلبه إلكترونيًا دون الحاجة إلى مراجعة المحكمة حضوريًا بشكل متكرر.
الآثار المترتبة على قبول التماس إعادة النظر
عند قبول الالتماس، تُعاد المحاكمة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم محل الاعتراض، ويُعاد النظر في القضية وكأنها تُنظر لأول مرة، مما قد يؤدي إلى تعديل الحكم أو إلغائه كليًا بحسب ما يترتب من نتائج.
أبرز الآثار النظامية لقبول الالتماس:
-
إعادة طرح الدعوى أمام المحكمة المختصة وسماعها مجددًا.
-
تمكين الخصوم من تقديم دفوع جديدة أو مستندات لم تُعرض سابقًا.
-
إمكانية إلغاء الحكم السابق أو تعديله جزئيًا أو كليًا.
-
فتح باب الإثبات لمعالجة ما شاب الحكم من تزوير أو غش.
-
صدور حكم جديد يخضع لطرق الطعن العادية مثل الاستئناف أو النقض.
دور محامي في السعودية في رفع التماس إعادة النظر
يُعد الاستعانة بمحامٍ متخصص خطوة أساسية عند رفع التماس إعادة النظر، نظرًا لما تتطلبه هذه الدعوى من دقة نظامية وصياغة قانونية محكمة. فالمحامي لا يقتصر دوره على إعداد الطلب فقط، بل يتولى متابعة جميع إجراءاته حتى صدور القرار النهائي.
كيف يساندك المحامي في إجراءات الالتماس؟
-
دراسة الحكم محل الالتماس وتحليل أسبابه النظامية.
-
إعداد صحيفة التماس إعادة النظر وفق الضوابط المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية.
-
رفع الطلب إلكترونيًا عبر منصة ناجز ومتابعة قيده رسميًا.
-
إرفاق الأدلة والمستندات التي تدعم أسباب الالتماس.
-
تمثيلك أمام المحكمة خلال جلسات إعادة النظر والدفاع عن حقوقك.
وبذلك يساهم المحامي المتخصص في اختصار الوقت والجهد، ويزيد من فرص قبول الالتماس من خلال تقديمه بصورة نظامية متكاملة ومبنية على أسس قانونية صحيحة.
وفي ختام حديثنا عن إمكانية تقديم التماس إعادة النظر أمام محكمة النقض في السعودية، يتضح أن هذا الإجراء متاح في الحالات التي تصدر فيها المحكمة العليا حكمها النهائي متى توافرت الأسباب النظامية التي نص عليها النظام.
كما نوصي كل من يرغب في تقديم التماس إعادة النظر على حكم صادر عن المحكمة العليا بالتواصل مع مكتب المحامي مشاري يحيى المالكي للمحاماة والاستشارات القانونية، حيث يتولى المكتب دراسة القضية بدقة وتقديم الطلب وفق الأصول النظامية عبر صفحة اتصل بنا.
قد يهمك ايضا : هل تقبل المحاكم السعودية أحكام التحكيم الصادرة في الخارج؟


